حلّل مايكل يونج التحولات العميقة التي يشهدها الشرق في السنوات الأخيرة، موضحًا كيف تغيّر ميزان القوة بعد تفكيك الشبكات الإيرانية وظهور خريطة أمنية جديدة تقودها إسرائيل، تقوم على حدود معززة ومناطق عازلة تحيط بها من معظم الجهات.
يرصد التقرير كيف تبدلت بنية الأمن الإقليمي بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، حيث ضربت إسرائيل شبكات إيران ووكلائها عبر سورية ولبنان والعراق، ما أنتج واقعًا جديدًا يقوم على إعادة تأسيس الحدود بدل تفكيكها، وعلى إحلال مناطق عازلة واسعة مكان “طوق النار” الإيراني.
تكوّن النظام الأمني الجديد بعد 7 أكتوبر
أعاد الهجوم الذي نفذته حماس في أكتوبر 2023 ترتيب أولويات إسرائيل، فصعّدت عملياتها العسكرية ووسّعت نطاق الضربات على امتداد الجغرافيا التي استخدمتها إيران لنقل السلاح والمقاتلين. يشير التقرير إلى أن إيران كانت تسعى لطمس الحدود الفاصلة بين سوريا ولبنان والعراق، كي تضمن ممراً بريًا مفتوحًا يصل جنوب دمشق بمرتفعات الجولان وبجبهة حزب الله شمالًا.
واصلت إسرائيل طوال سنوات “الحملة بين الحروب” ضرب الأهداف المرتبطة بإيران من العراق إلى لبنان، لكن القيود الأميركية في عهد أوباما، والتفوق الجوي الروسي بعد 2015، حدّا من فاعلية هذه العمليات. بعد أكتوبر 2023، اتسع نطاق الحرب، وبدأت إسرائيل تعيد تشكيل مناطق النفوذ والحدود، فانهار “محور المقاومة” تدريجيًا، وظهرت خرائط أمنية جديدة تعتمد على مناطق عازلة تحيط بإسرائيل من غزة إلى لبنان وصولًا إلى الجنوب السوري.
مناطق عازلة تمتد من غزة إلى لبنان وسوريا
في غزة، أوضح التقرير أن إسرائيل سعت منذ الأيام الأولى للحرب إلى اقتطاع شريط عازل بعمق كيلومتر تقريبًا على طول الحدود، قبل أن تثبّت ذلك رسميًا ضمن خطة وقف إطلاق النار الأميركية. حتى في حال انسحاب القوات وفق المراحل الثلاث للخطة، يتوقع محللون بقاء منطقة عازلة ثابتة بعرض كيلومتر على الأقل.
في لبنان، يوضح التقرير أن إسرائيل نشرت قواتها خلال حرب 2024 على امتداد الجبهة الجنوبية، وخلّفت دمارًا واسعًا خلق شريطًا فارغًا فعليًا يعمل كمنطقة عازلة. كما تدفع إسرائيل نحو تطبيق القرار 1701 لسحب سلاح حزب الله جنوب الليطاني، بينما تطرح أصوات داخل إسرائيل نقل حدود “المنطقة المنزوعة من السلاح” حتى نهر الأوّلي قرب صيدا، ما يعني توسيع المنطقة العازلة شمالًا.
في سوريا، يعتمد النموذج على مزيج من الاحتلال المباشر والمراقبة. احتفظت إسرائيل منذ 1974 بمنطقة فصل في الجولان، لكن سقوط نظام الأسد أعاد خلط الأوراق. استولت القوات الإسرائيلية على أجزاء جديدة داخل المنطقة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وتعتزم البقاء فيها “لأجل غير محدد”، وفق تصريحات وزراء إسرائيليين. تضغط إسرائيل الآن لإنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتد من أطراف دمشق حتى الجولان، رغم غياب اتفاق نهائي حول ذلك، بينما يلتزم الجانب السوري بسحب الأسلحة الثقيلة جنوبًا.
حدود تُعاد هندستها وبنية أمنية ممتدة تعيد رسم المنطقة
يشدد التقرير على أن الحدود التقليدية بين دول المشرق لم تعد تعمل بالمنطق القديم. الحدود التركية السورية صارت أكثر إحكامًا، مع جدران ووسائل مراقبة، بينما عزز العراق حدوده مع سوريا بسور ترابي يمتد نحو 400 كيلومتر لمنع مرور الميليشيات. كما شهدت الحدود الأردنية السورية تراجعًا كبيرًا في تهريب السلاح والمخدرات.
أبرز التحولات تظهر في الحدود السورية اللبنانية التي ظلت لعقود غير مرسّمة بالكامل. منذ سقوط الأسد، انكفأ حزب الله إلى الداخل اللبناني، وبدأت دمشق وبيروت تشكيل لجنة أمنية مشتركة بدعم سعودي وأميركي وإسرائيلي، هدفها ضبط الحدود والحد من التهريب، في خطوة تُعد إضعافًا للنموذج الذي أسّسته إيران منذ الحرب السورية. يشير التقرير إلى أن أي ترسيم نهائي للحدود سيواجه تعقيدات، إلا أن مجرد بدء العملية يعكس انهيار منظومة النفوذ الإيراني.
كما يبرز التقرير خط فصل جديد وغير معلن داخل سوريا بين مناطق النفوذ التركية والمناطق التي تراقبها إسرائيل. يستفيد الطرفان من ضعف الوجود الإيراني، لكن علاقتهما تبقى حساسة بسبب تباين الأهداف داخل سوريا، ودور الفصائل المسلحة، والتحكم بالحدود الجوية.
يختم التقرير بأن ما يتشكل اليوم هو “شرق أوسط إسرائيلي بامتياز”: دولة صغيرة لكنها ذات جيش قوي، بحدود محصّنة، ومناطق عازلة محيطة بها، وحدود إقليمية مغلقة أمام القوى الخارجية. يربح لبنان وسوريا بعض الاستقرار، لكن هذا يأتي على حساب سيادة الأراضي التي أعادت إسرائيل هندستها ضمن خريطة النفوذ الجديدة، بينما يتراجع دور إيران وشبكاتها وسط انكماش جغرافي يحدّ من قدرتها على التدخل.
https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2025/12/israels-ring-of-buffer-zones?lang=en¢er=middle-east

